قراءة نقدية لقصيدة (يا سيد خلق الله) للشاعر أحمد قنديل
بقلم الناقد والشاعر الدكتور علاء البربري

يا سيد خلق الله
-------------
الرَّمية كانت منّى قبلا سهمًا يا سيد خلق الله لن أقتل أحدًا لن أحرقَ عَلَمَ الأعداء بميدان التحرير ولن أرفع صورَ أسامةَ بن لادن بين جموع المعتصمين جهوريي الحنجرة ولن أسمع صوت نفير لن أحكى عن هذا الفيلم الغث لأقرانى لكنى سأقرأ قراّنى سورة مريم والزخرف والكهف وطه وأوقن أن الرمية كانت قبلا سهما منىّ للصدر وليس غريبا كان رماها
أعلّم ابنى كيف تكون الغيرة حقا أن نلبس ثوب الحكمة نتزيا أزياء العلماء ان نشرب ماء الصدق ونترك كل رياء وأصلى الفجر بمسجدنا أرفع كفىّ بالاستغفار أعلّم ابنى كيف يكون الاّمر بالمعروف وكيف عن المنكرأنهاه أرطّب عينى بدمع القرب من الرَّبِّ وحب سلوك رسول الله أغيّر من نفسى فعلا لا شكلا أعتز بنسبى للاسلام ليعتز الاسلام بعلمى ومحبة !اخوانى ونظافة كفى ولسانى أوقن أن الرمية كانت سهما منىّ للصدر وليس غريبا كان رمانى
القراءة النقدية :
مازال الجدل قائما بين أصحاب النظريات المختلفة حول دور الشعر ورسالته في الحياة ، فهناك من يري أن الشعر دوره التعبير على خلجات النفس وما يعتمل فيها من صراعات ، والبعض يرى أن للشعر مهام جسيمة عليه أن يقوم بها تجاه المجتمع فهو منوط به – كأحد أقدم الفنون وأرقاها – أن يرسي الدعائم الأخلاقية في المجتمع ويقدم التوعية للناس في إطار فني ، ويقف راصدا لبعض الظواهر السلبية في المجتمع ويحث على تعديلها .
وحتى لا نطيل كثيرا في التقديم النظري ، يجب أن تفق – قبلا- على أنَّ الشاعر صاحب رسالة في الحياة فهو يتقمص دور الأنبياء في هذه المهمة الاصلاحية ، وحينما نقف اليوم أمام نصّ شعري يحاول صاحبه معاتبة الذات والكشف عن بعض عوراتها ، والمقصود بالذات هنا ليس الذات الفردية بل هي الذَّات الجَمْعية التي يُعَرّيها الشاعر، وحينما نقف عتد العتبة الأولى من عتبات النص ( العنونة ) نجد الشاعر يقدم لنا العنوان يشير اشارة واضحة إلى محتوى النص دون مراوغة أو مواربة فقد جاء العنوان دالا على النَّص دلالة مباشرة ،فقد أشار إلى أن النص سيدور حول شخصية الرسول – صلى الله عليه وسلم - الذي يستحضره الشاعر ليوجه له الخطاب المباشر معترفا بأخطاء الذات :
الرمية كانت منّى قبلا سهما يا سيد خلق الله لن أقتل أحدا لن أحرق علم الأعداء بميدان التحرير ولن أرفع صور أسامة بن لادن بين جموع ِ المعتصمين جهوريي الحنجرة ولنْ أسمعَ صوتَ نفير لن أحكى عن هذا الفيلم الغثّ لأقرانى
تكشف لنا هذه المقطعة من النص عن وعي عميق وراسخ لدى الشاعر بطبيعة الذات وطبيعة المرجعية الثقافية التي تنطلق من مبادئ اسلامية داعية للحبّ والسلام والعدل والاخاء ، والشاعر يتناول بعض الأفعال التي تتناقض ومرجعيتنا الثقافية وحقيقة ديننا الذي يدعو للتسامح والعفو ، والشاعر يرصد حدثا بعينه ، حيث قام مجموعة من المتطرفين بعمل فيلما يصورن فيه نبي الاسلام صورا بشعة من حيث السلوك الجنسي والاخلاقي ، كان على اثره اعتراضا من قبل المسلمين في معظم البلاد الاسلامية والعربية ومهاجمة السفارات الأمريكية ، وقتل سفيرها في ليبيا ، وحرق الأعلام الأمريكية في معظم العواصم العربية ، ومن هنا نحج الصهاينة في استدراج العرب والمسلمين لهذا الفخ الذي نصبوه لهم ، فالصهاينة يحاولون اظهار المسلمين أمام أمريكا والعالم على أنهم ارهابيين ودمويين ،وقد دبر الصهاينة هذا مرارا وأبرز الحوادث هي حادث الحادي من سبتمبر 2011 ، التي ظهر بعدها مصطلح سياسي جديد يسمى ( اسلامو فوبيا ) أو التطرف الاسلامي ، وهذه الصورة – حقيقة – تتناقص مع الدعوة الاسلامية للسلام والتسامح ، وهذا ما يدور حوله النص وتلك هي الرسالة ، التي يحاول الشاعر تبليغها .
وإذا كانت هي تلك هي السَّلبيات التي يحاول الشاعر تبرئة الذات العربية الاسلامية منها ، فما هي الصورة التي يرسمها الشاعر للعرب والمسلمين كما ينبغي أن يكونوا ، وهذا ما يجيب عنه النص حيث يقول الشاعر :
لكنّى سأقرأ قراّنى سورة مريم والزخرف والكهف وطه وأوقن أن الرمية كانت قبلا سهما منىّ للصدر وليس غريبا كان رماها
من هذه النقطة يبدأ الشاعر في رسم ملامح للصورة التي يجب أن يكون عليها المسلم / العربي ، ومن هذه الملامح المعنويّة تمسك المسلم بشريعته ، ويقر الشاعر بأنّ الاساءة كانت من الذات ( المسلمين ) حيث التقصير في التمسك بتعاليم الدين ، وقد أسهمت الذات – هنا – في الاساءة إلى نفسها قبل أن تنالها سهام الآخر كما يقول الشاعر :
وأوقن أن الرَّمية كانت قبلا سهما منىّ للصدر وليس غريبًا كان رماها
والشاعر يأتي هنا بالفعل ( أوقن ) الذي لا يترك مجالا للشك في تقصير الذات ( المسلمين ) تجاه نفسها ودينها ، ومن هنا ليس بالغريب أن يحاول الآخر الاساءة للذات بعدما قصرت هي في حق نفسها ، وأسهمت في تشويه صورتها .
ويضع الشاعر يده على فعل غاية في الأهمية وهو الفعل ( أعلم ) ، الذي يفتح لنا بابا مهما في حياتنا وقضية من أهم القضايا وهي قضية التربية والتنشئة حيث يقول : أُعلّم ابنى كيف تكون الغيرة حقا أن نلبس ثوب الحكمة نتزيا أزياء العلماء ان نشرب ماء الصدق ونترك كلَّ رياء
هنا يرسم لنا الشاعر طريقة تربية الأبناء ، وتنشئتهم على محبة العلم وانتهاج الحكمة في الحياة والتزام الصدق ونتخلى عن الرياء ، ولا شك أننا بحاجة حقيقية لهذا الصفات التي من شأنها أن تنتج لنا جيلا من الأبناء القادرين على تحمل المسئولية ، وإبراز الصورة المثلى التي تعبر عن قيمنا وحضارتنا ، ومن هذه الصفات الواجب التحلي بها الالتزام بالطاعة وتأدية الفروض في حينها ، والتقرب إلى الله بالستغفار كما في قوله :
وأصلى الفجر بمسجدنا أرفع كفىّ بالاستغفار أعلّم ابنى كيف يكون الاّمر بالمعروف وكيف عن المنكرأنهاه أرطّب عينى بدمع القرب من الرَّبِّ وحب سلوك رسول الله
ويعود الشاعر من جديد لقضية التربية وخطرها في حياتنا ، وكيف تكون الدعوة لله بالحسنى ودون تطرف أو مغالاة :
أغيّر من نفسى فعلا لا شكلا أعتز بنسبى للاسلام ليعتز الاسلام بعلمى ومحبة !اخوانى ونظافة كفى ولسانى
ويتناص الشاعر مع القرآن في قوله (أغيّر من نفسى) وهنا يستحضر الشاعر قوله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم ٍ حتى يغير ما بأنفسهم ) وهذا التناص يكشف لنا عن موروث الشاعر الثقافي وتمسكه به ، فالتغيير واجب حتمي وهذا ما توكده العلوم الحديثة كعلم التنمية البشرية الذي يهتم بسلوك الإنسان وضرورة التغيير من أجل الارتقاء بالنفس البشرية وتحقيق أهدافها ، كما يحرص الشاعر على غرس بعض القيم الجمية في الحياة كنظافة اليد واللسان وهما كنايتان عن الأمانة والعفة .
أوقن أن الرمية كانت سهما منىّ للصدر وليس غريبا كان رمانى
وفي النهاية يختم الشاعر نصه بالبداية نفسها التي افتتح بها النص ، وهنا يكون التكرار ليس مجرد زينة ولكنه يمارس دوره الدلالي في التأكيد على المعنى المراد وكان هذا التكرار هي الرسالة التي يلح الشاعر في غرسها والاصرار عليها ، ويريد أن تكون هي الكلمات الأخيرة التي يلقي بها إلى المتلقي حتى تكون حاضرة في ذهنه ، ومن هنا يجب الاعتراف بأن الشاعر استطاع ببراعة فنية أن يلتقط هذا الحدث ليجعل منه قضية عامة ويرسخ لمفاهيم ثابتة وباقية ، فجعل هذه القضية قضية صالحة لأي زمان ومكان ، كما أن الشاعر أن يقدم لنا تجربته في اطار فني وقد أفلح في الابتعداد عن تقمص دور الواعظ ، وأفلت من أسلوب الخطابية الفج ، فجاءت تجربته تحمل قيمًا رفيعة في أسلوب فني يعكس قدرة الشاعر وبراعته .
0 التعليقات
إرسال تعليق