الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012

قراءة نقدية في ديوان ( ظمأ ) للشاعرة السورية نازك دلى حسن


قراءة نقدية في ديوان ( ظمأ ) للشاعرة السورية نازك دلى حسن

بقلم الأديب الناقد : عاطف عز الدين عبد الفتاح 
 
Atef Ez Eldin‏ 
 
هذه دراسة نقدية موجزة لديوان تم ( ظمأ ) للشاعرة السورية نازك دلى حسن , وسوف نتوقف قليلا أمام إحدى قصائدها كي ننهل من شعرها العذب ونمتص رحيق قصيدتها لأننا نشعر بال ( ظمأ)!!!
وقصيدة ( ظمأ ) من الشعر العمودي فكل بيت من أبياتها التسعة يتكون من مصراعين وهى رائية و حرصت فيها الشاعرة أن تلتزم بحرف الروي ( الراء) .. تقول الشاعرة " نازلي دلى حسن " في مفتتح قصيدتها :
(خذني إليك وردة .. أريجها عطر النهار ... أنا الشذا ... أنا الندى ... أنا مرابع اخضرار ..إذا فتحت مهجتي ...منها تألق النضار ).
والقارئ لهذه الكلمات التي استهلت بها الشاعرة قصيدتها يجد أنها تحيلنا إلى الشعر العذري , وهو أهم أجناس الأدب الشعرية , وقد عرفه الجاهليون وأطلقوا عليه اسم ( النسيب ) , ثم تم تغيير الاسم إلى ( الشعر العذري ) في العصر الأموي , وفى هذا الجنس الشعري يتحدث الشاعر من خلال تجربة شعرية عن الحب العفيف , وعما يلاقيه المحبون من صراعات نفسية , بسبب غرامه بالمحبوبة ,فتجعله زاهدا في الدنيا , وربما تسبب له تجربته مع المحبوبة مرضا نفسيا كالذهان العقلي كما نجد في حالة قيس بن الملوح مع محبوبته ليلى العامرية !!!.
ويلاحظ القارئ أن الشاعرة نازك دلى حسن تبدأ قصيدتها ب ( خذني إليك وردة ) فاستخدمت فى براعة فعل الأمر ( خذ ) فهي تأمر محبوبها ان يعتبرها وردة تتميز برائحة طيبة مما يضعنا أمام شاعرة مرهفة الأحاسيس تميل إلى الرومانسية .
وتقول الشاعرة في المصراع الثاني من البيت الأول ( أريجها عطر النهار ) , ونلاحظ اقتدار الشاعرة في استخدام كلمة ( أريج ) التي تعنى انتشار الرائحة الطيبة من خلال الوردة التي تتقمصها الحبيبة إلى محبوبها , وهذا الأريج بمثابة ( عطر النهار ) , وتقصد الشاعرة بهذا التعبير استمرار الأريج طوال النهار مما يعبر عن نقاء الحبيبة فاللون الأبيض رمز النقاء والوضوح وهذا نستشفه من كلمة ( النهار ) , والنهار هنا يعنى أيضا طوال اليوم أي أن الحبيبة تطلب إن تتحول إلى وردة يستنشق أريجها المحبوب طوال اليوم .
وقد ذكرتني هذه الآبيات بقصيدة ( رائية أيضا ) للشاعر العباسي الشهير "بشار بن برد " يقول فيها :
حسناء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأن رجع حديثها قطع الرياض كسين زهرا
إننا أمام شاعرة تفتتح قصيدتها بالوردة والأريج وعطر النهار مما يجعلنا أمام براعة استهلال فالشاعرة تتودد إلى القارئ بمفرداتها التي استمددتها من الطبيعة الساحرة فلابد أن يتجاوب القارئ ويتعاطف معها .
وفى البيت الثاني من القصيدة تقول الشاعرة :
( أنا الشذا أنا الندى ..... أنا مرابع اخضرار)
تفتخر الشاعرة بنفسها في هذا البيت كشيء جميل و( الشذا ) تعنى قوة الرائحة وانتشارها وهى تماثل الأريج أما ( الندى ) فهي كلمة يعرفها القارئ بأنها ظاهرة طبيعية بفعل الطلل الذي يبدو على أوراق الأشجار صباحا , وتبدو مهارة الشاعرة عندما استخدمت هذه الكلمة بمعنى الكرم والجود والعطاء بجانب الظاهرة الطبيعية , والمقصود بتعبير الشاعرة ( مرابع اخضرار ) إنها منبع الحنان والكرم ونلاحظ توفيق الشاعرة في استخدام كلمة ( اخضرار ) فهي تنتهي بحرف الراء فتحافظ على روى قصيدتها , كما أنها تشير إلى اللون الأخضر , وهو رمز للطبيعة والنبات , وهذا ينسجم مع مفردات القصيدة ويتناغم مع ألفاظها .
تقول الشاعرة في البيت الثالث من قصيدتها ( إذا فتحت مهجتي .. منها تألق للنضار ) و ( المهجة ) هي ما يتعلق بدم القلب والروح الخالصة من كل شيء وهذا يتناسب مع كلمة ( النضار ) فهي تتعلق بالنضرة , وهذا يحيلنا إلى النبات والخضرة .
فالشاعرة تتحدث على لسان الحبيبة والتي تقول لمحبوبها انه إذا فتح قلبها فسيجده متألقا كالذهب باللون الأصفر الزاهي وهنا إشارة إلى أصلها الطيب الكريم , لان الذهب من المعادن النفيسة الكريمة .
تقول الشاعرة :
فيا رفيق وحدتي فراغنا هو انكسار
وطيف حزننا آسى وربيع حبنا افترار
فكيف نترك الدنى على لهيب الانتظار ؟

إن الشاعرة على لسان الحبيبة تأكد لمحبوبها بأنه رفيق وحدتها وأنسها الذي لم تتخل عنه لنهاية حبهما فهو بمثابة انكسار لهما لو انفصلت عنه , فالفراغ هو الانتهاء من عمل ما والانكسار هو انتهاء صلاحية شيء ما قد " انكسر " بحيث لا يمكن الانتفاع به , فهذا الفراغ يحول ( طيف حزننا ) مجرد حزننا وتلاحظ براعة الشاعرة في هذا التعبير لان الطيف ظاهرة تتعلق بمجموعه من الألوان " كقوس قزح " الذرى نلمحه في السماء أو الخيال الطائف في المنام , كما أن هذا ( الفراغ ) من الممكن أن يحول الحب إلى افترار , ومعنى ( الافترار ) هو البكاء والنحيب مما يعنى أن الحبيبة تتمسك بمحبوبها في علاقة رومانسية لا يقف أمامها الفراغ أو الانكسار ... إن الحبيبة تسأل المحبوب : ( كيف نترك الدنى ... على لهيب الانتظار ؟).
والمقصود ب ( الدنى ) علاقة الحب التي تتمسك بها الحبيبة وتدافع عنها فتبعدها عن أى لهيب أو نار انتظار إي أنها تطلب من المحبوب ان يحرص على العلاقة معها .
وتنتهي القصيدة بهذه الكلمات
تعال نمضى في المدى لكي نغيب في المدار
ونقطف الياقوت من كف يجود بالمحار
ومن مرايا عمرنا بالحب نمسح الغبار
إن الحبيبة توجه دعوة إلى محبوبها بأن يمضى معها في ( المدى ) , وتقصد الشاعرة بكلمة (المدى ) الاستمرار في حالة الحب لأقصى ما يستطيعان وحتى المنتهى ولغاية ما يحتملان كي يغيبا في المدار والمقصود ب ( المدار ) ليس المدار الذي يتخذه القمر الصناعي في الفضاء الخارجي حول الأرض ولكن المدار "في القصيدة " هو علاقة الحب :
ونقطف الياقوت من كف يجود بالمحار
ومن مرايا عمرنا بالحب تمسح الغبار
يلاحظ القارئ استخدام الشاعرة للياقوت والمحار فالياقوت كما هو معروف هو حجر كريم احمر اللون أما ( المحار ) فهو عبارة عن الصدفة التي تسكنها اللآلئ في أعماق البحار كما نلاحظ العلاقة في نهاية القصيدة بين ( المرايا ) و ( الغبار ) فنحن نمسح الغبار من المرايا بمعنى أننا يجب أن ننتصر على اى مشكلة تواجهنا من خلال علاقة الحب فنمسح جميع مشاكلنا كما نمسح الغبار من المرايا !!! .
إنني سعيد بهذه القصيدة وأتمنى من النقاد المتخصصين أن يلتفتوا إليها فالشاعرة
" نازك دلى حسن " من الشاعرات التي يجب أن نوليها اهتماما كشاعرة عربية متميزة
 
 

0 التعليقات

إرسال تعليق