الأربعاء، 4 يوليو 2012

أهمية عنصري المكان والزمان ودلالاتها الحسية والمعنوية لدى شوقي السباعي في مجموعته القصصية ( جزيرة الحرمان )دراسة نقدية للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي

 
دراسة نقدية للدكتور/ ثروت عكاشة السنوسي

بعنوان / أهمية عنصري المكان والزمان ودلالاتها الحسية 
والمعنوية لدى شوقي السباعي في مجموعته القصصية
 ( جزيرة الحرمان )
 

" المكان والزمان" هـما بريق السرد، وعصب الحدث القصصي
 أو الروائي في مختلف الأعمال السردية، (قصة- رواية- 
مسرح) وللمكان أهـمية كبرى عند السباعي، حيث يبدو ذلكـ 
جلياً في اسم المجموعة ذاتها "جزيرة الحرمان"، واختياره 
للمكان يعطيكـ دلالات سيكولوجية ، ونوعية حسية، تدلل على
 الشخصية، بما تمثله لنا كلمة جزيرة من رومانسية حالمة، أو
 انعزال تام عن الآخرين، وبما تقدمه كلمة الحرمان من ألم
 سيكولوجي يؤكد الانعزال عن البشر عامة وعن المحبوبة على
 وجه الخصوص.

وبالتالي يعطينا الانفصال حنيناً للذكريات، على مختلف 
مستوياتها الروحية والنفسزمنية، عن طريق الوعي المدركـ 
واللاوعي الداخلي معاً.. ليعبر تعبيرات نوعية عن الأحلام تارة
 وعن الواقع الحدثي بالقص والحكاء تارة أخرى، وقد وظف 
السباعي المكان والزمان والعادات والتقاليد ، ثم الخرافات 
والمدى الزمني للقص، مرتبطاً بالمدى العمري لبطل القصة 
بحكائية جيدة منتظمة الأحداث، رغم الزيادات التي سبح فيها 
الكاتب ، لتهيمن عليه اللغة ، فتتسع دلالاته الفكرية وترتبط 
بالأمكنة، وأحداثها الاجتماعية على وجه الخصوص. ولكنكـ 
تلاحظ انفصالاً حدثياً غير مرتبط بالمكان والحدث رغم 
استخدامه لجماليات لغوية تعطيكـ رؤية فنية واضحة وجلية لهذه
 القصة على وجه التحديد.

كما يعد الزمان ظاهرة حقيقية يمكن إدراكها، بل وسمة 
الديمومة 
للزمان ترتبط بالحدث القصصي عند شوقي السباعي، فأعطته
 وجودا حقيقياً حتى في مناقشة الهامشية السيّارة داخل 
النصوص،وتعدد الإطارات السيكولوجية المرتبطة بالحس 
الزماني والحدثية الاجتماعية، وثمة علاقة تأثير وتأثر متبادلة 
بين الإنسان والزمان ترتبط بالأحداث الثابتة والمتحركة داخل 
العمل،

كما أن استمرارية هذه العلاقة أضفت على الزمان بعداً انسانياً
 واضحاً، بحيث أصبح الزمان جزءا أساسياً من الخبرة لبطل 
 القصة. كما أن التغيرات التي تحدث في الواقع الإنساني ترجع 
إلى الزمان، لذا حاول السباعي السيطرة عليه وتوجيهه بفاعلية 
ترتبط بالحدث واخضاعه لإرادته، ونراه قد نجح في نصوص 
تحاكي الواقع الانساني لأبطال مجموعته، ولم يوفق في أخرى
 تحاكي الحدث ولا ترتبط باللاوعي(البطل شاكر في جزيرة 
الحرمان مثلاً). استطاع التعبير عنه لغويا فقط في سياق 
الموضوع. رغم اتساع الرقعة الحركية داخل العمل وإصابته 
ببعض الترهل في أجزاء تخص هذه القصة بالذات كان يمكن
 للكاتب الاستغناء عن جمل وصفية وجمالية لا لزوم لها، لكنها 
قادته إلى حيث يمتطي صهوة الكتابة الروائية، وليس القص 
القصير..

وبسبب العلاقة التبادلية بين الإنسان والزمان، تتمثل في أن 
الزمان يفضي الى الشقاء الإنساني، نتيجة لنقصان تحقُق الحدث
 .. معتمداً فيه على الواقع، والخيال التوافقي،، كما أن حركة 
الزمن المراوغة هي مصدر وجود وفناء الإنسان؛ لأن الزمان
 "هو الذي ينبيء الإنسان بموته وزواله وعبثية جهوده في كل
 الأحداث الحياتية، كما أن الزمان هو الذي يحمل أمل الإنسان 
ويأسه ... ممثلاً الكيان الموجود الفاني" .

ولكنكـ تلاحظ أن الكاتب بدأ بمقدمة طويلة للقصة تشبه ما يسمى
 بالفرش الروائي، والقص القصير لا يحتاج لمثل هذه المقدمات
 الطويلة جدا، وفي نهاية القصة قام الكاتب بتذييلها بالتمام 
والاسم، وكأنها وحدة منفصلة تماما عما يليها من القصص، أو 
وحدة لعمل منفصل مكانياً دون الانفصال الزمانيّ، وكان يجب 
أن لا يضع ذلكـ التذييل نهائياً، مما أرى له من تأثير سلبي
 على المتلقي وإيحاء بفصل العمل عن المجموع..

وأرى في قصته (شواء) أن الكاتب أدركـ معنوياً أن الاختلاف 
بين عنصري الزمان(وقت الظهيرة- ليلة شتوية) والمكان 
(حديقة المنزل) لا يكمن فقط في طريقة توظيفهما قصصياً، لكنه
 يمثل أيضاً الأمكنة الخلفية التي تقع عليها أحداث القص 
(القرية الريفية الصغيرة- مرجل الخضار باللحم، الحطب، 
الحقول، وغيرها من مفردات البيئة وأدواتها المكونة لها...)، 
بينما يمثل الزمان الأحداث نفسها وتطوراتها، ونرى ذلكـ
 في (زمن الطفولة- مساء الخميس- طول وقت العمل) 
 وما إلى ذلكـ من توقيتات زمنية لها دلالات معنوية 
وحسية داخل العمل القصصي المعروض.

كذلكـ هناكـ أدوات وآليات فنية استخدمها الكاتب ووظفها بمهارة
 داخل العمل القصصي مثل: (الغفوة- رائحة الشواء- الطاولة- 
والنار والأفواه- والنار- والماء)

كما أعلى الكاتب هنا من شأن الزمن الحدثي مسلماً بقيمته 
البنيوية العالية على مستوى الحدث القصصي، والتي تفوق لديه
 قيمة الفضاء القصصي ضمن الآلة الحكائية؛ فالزمن يعد هنا 
العنصر الأساسي لوجود العالم التخييلي نفسه، حيث ربط في
 نهاية العمل الحس الشعوري (المشاعر الخاصة بالأبناء) 
بزخم واقعي (كثافة الدخان) وكانت نهاية جيدة تربط المعنوي
 بالمحسوس، والخيالي العاطفي بالواقعي..

وإذا تناولنا في العمل الثالث (تغييبة) عنصر المكان(الحمام
 العمومي- الكرسي القديم المتهالكـ) والزمان (مفردات اليوم" 
صبح-ظهر- عصر- ليل) بطرائق مختلفة ، نستطيع القول أننا 
 ندركـ جيدا أن الجانب السردي البنيوي الشكلي عند السباعي 
مؤسس على منهج يشبه منهج الشكلانيين الروس، وينحو الى 
تقسيم الخطاب السردي زمنياً الى زمن القصة المتتالي زمنيا
 بطريقة تصاعدية(الصباح ضمنياً- العصاري- ثلث الليل) وزمن
 الحكاية أو المتن الحكائي والمبنى الحكائي.

والمقصود بالمتن الحكائي الدراسة التي تأبه بزمنية ومنطق 
تنظيم الأحداث التي تتضمنها القصة(الوصول للكرسي صباحا- 
سير الأحداث طوال الوقت حتى العصاري- الامتداد الزمني إلى 
ثلث الليل)، تلك الأحداث المتصلة فيما بينها والتي يخبرنا بها
 النص من خلال الأحداث وعن طريق لغة دلالية على تسلسل
 منطقي للأحداث القصصية، استطاع شوقي توصيلها للقارئ،
 واسقاطها سيكولوجيا، ضمن الأحداث على نفسية القارئ، 
فوصلت الفكرة، والمغزى الدلالي من ورائها معا للقارئ في
 سهولة ويسر .

أما المبنى الحكائي فهو الدراسة التي تعني بنفس مجموعة
 أحداث المتن الحكائي، بيد أنها لا تهتم بالقرائن الزمنية
 والمنطقية للأحداث قدر اهتمامها بكيفية عرض هذه الأحداث 
وظهورها في النص القصصي المرسوم بتلقائية واعية، ودلالات
 صادرة باللاوعي القصصي الناتج عن استخدام الكاتب للضمير
 الغائب، والتمويه لما وراء الحدث القصصي من دلالات غير
 حرة ولكنها تكنيكية في ترسيم المبنى الحكائي داخل العمل،
 (الكلاب الضالة والفعل الجنسي- الأطفال والشقاوة- الرائحة 
الكريهة والنظافة- تكرار الانتظار للورقة المالية والحلم 
بالأُنْسَة....وهكذا مما يمثل عشوائية للزمن في المبنى الحكائي
 وواقعية للفعل المحسوس وما وراء الحدث المبني نفسه من
 دلالات.

وفي قصته(مساءات أبدية)، يعطي الكاتب تلقائية ربط الحدث 
القصصي بالزمان الخارجي والداخلي معا دون المكان، وتكمن
 أهـمية الزمن الداخلي الإنساني في أنه يمثل "الزمن الحقيقي
 لأنه يقوم على الثبات وليس علي التغير ،

وهذا الثبات الطبيعي هو الذي يتحقق فيه وجود المشاعر
 الانسانية وبوضوح جليّ، وأعد هذا الزمن ناتجاً عن "نسيج 
الوعي الحياتي المرتبط بنسيج الواقع"الدلالي العملي
 الناتج عن حدث قصصي محبوكـ بطريقة جيدة نجح فيها شوقي
 ببراعة، حيث قادنا داخل العمل برباط متوالي متماثل بين
 التسلسل الحدثي والتسلسل الزمني معاً، ولأن الزمان مرتبط 
دائما بالوجودية المكانية إلا فيما ندر ، ونظرا للعلاقة المتبادلة
 بينهما، فإننا لا نفكر في أحدهـما دون الآخر، بالإضافة الي أن
 وجودنا في حد ذاته يرتبط ويتحدد بالزمان وما وراء المدلولات
 من حس وفكر.. حيث (نهار صيفي طويل دال على الملل والحر
 الشديد - ولفظة عجوز تعطي "دلالة زمنية للعمر" وبطء حركة
 السيدة – لحظة مناسبة تعطي دلالة زمنية على التناسب بين 
الفعل والزمن- خاطفة"دلالة زمنية" ترتبط بالحركة وعنصر
 السرعة- مكان خالٍ ودلالة على الهدوء والسكينة، ....ألخ)

الزمن أيضاً وما يربطه بالمكانية الحدثية داخل العمل مثل: 
(محل الفلافل مما يعطي دلالة على الطعام ومكان تناوله- محلات
 الوكالة وما بها من بضائع متراصة - بائعي الشارع 
وما يبيعون من أشياء - المرآة المغبرة والشكلية الباهتة- 
الحلاق المسن وضعف الروؤية والحركة معاً، وآلات الحلاقة– 
عجوز عاجزة عن السير ودلالة الزحام الدال على المكان- 
النوم ودلالاته المكانية" أرض- سرير – كنبة- كرسي،
 ,...... ألخ)،

على أن يكون ذلكـ مرتبطا دالياً بالأشياء الحسية الشعورية
 والغريزية في آن واحد من خلال الحواس أو غيرها يفسرها 
التسلسل المنطقي للحدث مرتبط بالزمن(الجوع- النشوة- 
الغريزة الجنسية- الأماني الحالمة – التآلف بالرؤية- الحملقة 
الدالة على الدهشة- الحيرة بالسؤال- الصوت المسموع بحاسة 
السمع - والحركة الخاطفة التي تشاهد بالعين، وشذرات الغضب
 كتعبيرات عضلية بالوجه والاشارات الحركية، وانخلاع القلب
 من الخفقان الشديد" خوف- حب"- الدورة الدموية 
ودورانها"حركة فسيولوجية طبيعية"- الحلقة المفرغة"تردي 
ووهم وحيرة وعدم معرفة"- القدمين الهزيلين- والنوم..)

وفي قصتي(شهقة مداد – الذاكرة البيضاء) تناول الزمن العابث
 بدلالاته المعنوية وأعقبه، بالمرآة الساكنة في ركن مهترئ 
 وربطها بمدلول هندسي مبهم لدى القارئ العادي وهو شبه 
المنحرف، وزادها بكلمة ليس لها لازمة فنية أو لغوية وهي 
كلمة هندسي، الأمر الذي جعل للزمان مغزى فلسفيا وجوديا
 يرتبط بحياة الإنسان في الوجود القصصي، دون وصول دلالات
 منطقية للقارئ العادي لارتباطه بالحلول الكلية للمشكلة 
القصصية بالعمل، وتناوله الرغبة الخاصة بالأنا العليا لدي 
الكاتب، والقارئ على السواء.. (استرجاع الذكريات مشدوهاً –
 وتلوين الذاكرة باللون الأبيض أيضاً دلالة الفراغ والخلاء 
الفكري.. تصوير خيالي يرتبط بالأنا العليا والتوهان 
 العقلي،يمثلها الصمت الشريد في شهقة مداد، ويمثلها "نشوة 
النصر" عند البطل في الذاكرة البيضاء ، وأيضاً تأثير الحدث 
السيكولوجي والشرود المرتبط بالأنا العليا في شهقة مداد،
 والميل إلى التعالي والفخر في الذاكرة البيضاء، وكذا الخجل، 
والخواطر والتمرد والوصف النفسي في شهقة مداد، وضيق 
ذاكرة الهاتف، ووهم النفس بالمناسبات، وعدم رد الكبار ومحو
 الأرقام من الهاتف في الذاكرة البيضاء، كلها دلالات ترتبط 
بالأنا العليا، وتصوير مواقف حدثية ترتبط بالجانب السيكولوجي
 للشخوص وتؤثر سلبا وإيجابا في نفس القارئ. وتعطيه قدرة 
تفتح له المجال للتأويل والتفسير حسب منطقية الحدث وميول 
نزوع الذات لديه شخصيا نحو الحدث القصصي المعروض.

وفي (عندما صرت رئيساً) استطاع الكاتب توظيف المفردات 
المكانية بنجاح خلال الأحداث ذات الدلالات الرئيسية بالعمل 
القصصي مثل( محطة القطار- المقعد- المراكز كأمكنة تلكـ المار
 عليها القطار- الأشجار المثمرة- مبنى المدرسة- المزلقان- 
جهة الشرق، وهكذا....) كما استطاع توظيف الزمن بطريقة
 جيدة، وبث روح التلاقي بين الزمان والمكان في اطار الحدث
 القصصي كالأزمان الآتية بالقصة( لحظة الوقوف ودلالة 
الثبات- لحظة الحلم ودلالة الغفوة أو النوم والتخييل- )

ووظف بعض الأدوات في أماكنها بطريقة جيدة تخدم الحدث في
 إطار الفكرة بصورة ممتازة مثل: (النقود وما تدلل عليه من
 سطوة المال لكثرته أو الضعف والتردي لقلَّته- الفاكهة وما
 تدلل عليه من شهية التناول – الأكياس وما تحويه من فاكهة - 
الشبان والفتيان تبادل النظرات ودلالات المراهقة- المرأة الشابة
 وما تدلل عليه لفظة شابة من حيوية وجمال- القطار السريع، 
ودلالات الجري وعدم الوقوف بالمحطة الآنية- العذارى ودلالة
 عدم الزواج)، وفي نهاية دراستي أستطيع القول أن هذا الزمن
 الوجداني الداخلي الخاص بالانسان قد أصبح "موضوعا 
أساسياً للأدب الحديث و للقص والرواية الحديثة أيضا على وجه
 الخصوص ، والمكان له أهـميته في قراءة الحدث القصصي 
والروائي أيضاً، راجيا من الله تعالى أن يوفقنا ويوفق الكاتب 
إلى دوام الابداع والرقي بإذن الله..

***

د/ ثروت عكاشة السنوسي

عضو اتحاد كتاب مصر/ ورئيس نادي القصة بأسيوط

ومدير المركز العربي للدراسات والبحوث الأدبية والفنية
 

0 التعليقات

إرسال تعليق