السبت، 18 مايو 2013

ذاكرة السارد بين القيمة المضافة وتجليات الفن ( دراسة نقدية لمجموعة أرجل يابسة للقاصة رجاء الفولى )


ذاكرة السارد بين القيمة المضافة وتجليات الفن

قراءة في مجموعة أرجل يابسة للقاصة رجاء عبد الحكيم الفولى

  دراسة نقدية بقلم الناقد الكبير الأديب / عبد الحافظ بخيت متولى
 


 
إن القارئ للقصة القصيرة يرى بأنها تحكمها معايير تجعل منها قصة فنية بمعنى الفني /الجمالي ..ولعل القصة من أصعب الأنواع السردية لأنها تقوم على مهارة القاص وإتقانه للعبة اللغة والحساسية البالغة في تشغيل طاقة السرد وإمكاناته ... ونظرا لما تحتاج إليه القصة من قدرة على صوغ العبارات اعتمادا على الاقتصاد الشديد للغة في تشكيلها وتعبيرها ودلالاتها ..
من هنا فإن مدخلنا لهذه المجموعة كي نفض شفرتها الجمالية والدلالية هو أن ندخل من ذاكرة السارد فيها إليها لنرى ماذا تحمل هذه الذاكرة من رؤى نحو واقعها ونحو الفن الذي شكلت من خلاله هذا الواقع ونقف معها على طبيعة الواقع ومعطيات الفن القصصي في المجموع ونطرح الأسئلة الكاشفة عن وعى السارد باعتباره المقابل للكاتب وحامل وعيه الجمال ورؤيته الإنسانية

تجليات القيمة المضافة في ذاكرة السرد
نعنى بالقيمة المضافة هنا الوظيفة الاجتماعية للأدب حيث إن القول بالأدب هو التعبير المميز عن الحياة الاجتماعية والعمل الإنساني والنشاط الإنساني والصراع الطبقي لنسيج العلاقات الاجتماعية في مجتمع معين وهذا لا ينفى طابع الإبداعي الخلاق فليس الأدب مجرد أسلوب جمالي فقط أو تشكيل إبداعي محدد أو موضوع عقلاني فحسب وإنما هو كل هذه العناصر مجتمعة وتشكل إضافة جديدة إلى الحياة فالأدب خلق وإبداع وهو قيمة مضافة للحياة وإن تكن الحياة مصدره
وعندما ننحاز في دراستنا إلى أهمية المضمون في الإبداع الأدبي فإننا نستطيع من خلال قراءة المضمون في هذه المجموعة أن نؤكد على أن الوظيفة الحقيقية للأدب في المجتمع وللقارئ أيضا هي الكشف والتنوير وإطلاق الأسئلة وتعرية المتناقضات الاجتماعية الظالمة والتبشير بمجتمع أكثر عدلا وجمالا وتأكيدنا هذا يتأسس على فرضية مهمة وهى أن معظم أعمال هذه المجموعة تعبر عن أيديولوجية مأزومة وواقع بعينه مأزوم يوشك أن ينهار إذا لم يكن قد انهار فعلا وكانت وسليتنا للتعرف على هذه الأزمة وتوضيح تجلياتها داخل نصوص المجموعة هو تحليل مجتمع النص ذاته بهدف التعرف على الكيفيات المختلفة التي تجلت من خلالها رؤية الكاتبة للازمة داخل الإعمال الأدبية وكيف صاغت بدورها من خلال هذه الأعمال خطابا أدبيا يحيل إلى واقع مأزوم أيضا وكيف أسهمت بنية النصوص الجمالية في تجسيد هذه الأزمة وقد ظهرت ملامح هذه الأزمة من خلال التجليات الآتية
• إنه واقع يجبر من يعيش فيه على الخضوع لنسقه القيمى والتسليم بكل ما يعنيه
• إنه واقع يعمل على هيمنة النظام السائد ويقوم ببتر الخارجين عليه
• إنه واقع تفتقد فيه الحرية مما يؤدى إلى اغتراب الفرد
• إنه واقع كئيب يأخذ في التحلل والانهيار
• إنه واقع لا منطقي يفتقد المعنى والحقيقة
وتكشف ذاكرة السارد في هذه المجموعة عن أنها ذاكرة مثقلة بقضايا الإنسان وماضيها القريب وهى ذاكرة مهزومة وحزينة مثل كل شخصوها وموضوعاتها التي توالت وتكررت وكأنه هذه المجموعة قصة واحدة لقضية واحدة هي قضية الإنسان المتعب والمنفى في زوايا العالم والمهمش فى عالم الإنسانية ولذلك كانت شخوصها محددة ومعلومة تسكن في واعيتنا الجمعية ومسرحها المكاني مشخص ومرموز بمفردات وصور إشارة تحيل إلى واقع معروف لها ولنا هو بيئة الصعيد وما تحمل من خصوصيات إنسانية واجتماعية محددة
فهي ذاكرة لم تغادر كثيرا مكانها الصعيدي والقروي منه على وجه التحديد ولم تغادر تاريخها الماضوى وإذا ما غادرته فإنها تكشف عن حاضرها المر والمهزوم أيضا ثم سرعان ما تعود مجددا لحلقة الماضي الذي يسكنها وتسكنه ومن هذا الماضي تدرك كيف توظف لغتها وخطابها القصصي الذي تحتشد للكشف عن المكان بوصفة أيقونة إنسانية فاعلة في نمو الحدث والكشف عن طبيعة العالم الجوانى المهزوم للشخصية القروية في صعيد مصر لذا فقد احتل المكان بدلالاته الفنية وإسقاطاته المعنوية مساحة كبيرة في قصص هذه المجموعة ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون أول قصة في هذه المجموعة تحمل عنوان " البدروم" فالبدروم مكان دال في القصة على الغربة النفسية والانحطاط الاجتماعي والظلام الروحي فبطل القصة واحد من قطاع كبير يعافر الحياة وتخذله فهو ماسح للسيارات لا تحترم أدميته حين يتعامل مع أصحاب السيارات الذين يحتقرونه لأنه فقير ويعود إلى منزلة محبطا ومهزوما وتهزمه أمه بحكاياتها الفارغة ولكن القاصة لا تجرده من الإنسانية بشكل مطلق بل تخلق له عالما موازيا هو عالم الحلم إلي ينفتح عن روحة الإنسانية المتعطشة للحياة
ويبدو أن ذاكرة السارد مسكونة بالهزيمة ففي قصة " أعلام" يأتي البطل بائع الأعلام ممزقا فكل شئ من حوله ينبئ بالضياع والسقوط في هاوية الجوع والحرمان لولا هذه الثورة على العلم الاسرائيلى التى فتحت له طاقة رزق من جديد ثم الثورة المصرية التي دفعت الايدى لتمتد إلى الأعلام المصرية وفى قصة العصا والكفن تقدم ذاكرة السارد صورة جديدة للقوة من خلال البطل الذي يحتمى بالعصا لكنه تتسبب فى منعطفه نحو الهزيمة والسقوط الكبير وقد وفقت القاصة فى توظيف الموروث الشعبي والمرمز لمفهوم العصا كمعادل آخر لمعنى الرجولة داخل البيئة الصعيدية هذه الرجولة التي تستوعب أبعادا ودلالات أخرى إنسانية وسياسية واجتماعية
وفى قصة " أدوار" تدخلنا هذه الذاكرة إلى منطقة الرمز الكامل بين الملك والقزم والعملاق والتي سنعرف من خلالها لماذا يصبح الملك والعملاق والقزم والحكايات القديمة قوة موازية ومضادة لذاكرة السارد حين يهزم القزم العملاق وينقذه الملك عبر خيال مصدره فأر ينقض على حدأة فالمسافة بين الواقع والخيال هي مساحة البحث عن العدل الاجتماعي في واقع مقلوب منطقه مشوش وهذا المعنى يسكن ذاكرة السارد كقوة مضادة تبحث عن واقع بديل فتلجأ للخيال باعتباره قوة خالقة لمفهوم العدل الاجتماعي ولو في الخيال وهذا ما يدفع الذاكرة إلى افتعال الأمل فى قصة " عنوسة" فتلك الفتاة العانس تحترق من الداخل لكن صوت السارد يمنحها أملا وهميا حين يذكر للبطلة "أن زميلتهم فلانة قد تزوجت في الأربعين وأنجبت " انه البحث عن الوهم كمقابل لهزيمة الإنسان من الداخل وفى قصة "جرس " وهى عندي من أجمل قصص المجموعة فالذاكرة فى هذه القصة تمدنا بكثافة شعورية وإنسانية جميلة توحي لنا بأنها مهمومة بقضية اكبر حتى من طاقتها الإنسانية وتفوق احتمالاتها الذاتية والبيئية فهي قضية الوطن الضائع عبر تلاشى النشيد الرمز عبر إهمال التعليم وهروب المعلم إلى لعب الطاولة وفوضى الحياة المدرسية وبشاعة هذا الوضع الذي يحاصرنا ويقتل فينا معنى القيمة الوطنية والالتزام الأخلاقي
ومن هنا فان هذه الذاكرة عبر م\كل قصص هذه المجموعة تنذر بواقع تعترية الخطورة والمغامرة والهزيمة والغموض وهو واقع يكبل شخوصه بمفردات العجز والفوضى الإنسانية المدمرة وتحلل الروح وتفرض علينا هذه القاصة تتبع مكنونه واكتشاف أسراره وبين التساؤل الذى فرضته علينا ذاكرة السارد والحيرة فى البحث عن أجوبة والهروب والحصار نكتشف عبر هذا الواقع أن كل المستحيلات ممكنه وكل المعايير خاطئة كما فى قصة برد الروح وقصة المحارب وقصة سبت النور وهزيمة المرأة أمام معطيات القسوة الذكورية والانتهازية فى قصة " الجميلة النائمة" والمعنى الكارثى الذى يدمر الروح الإنسانية فيتساوى الفقدان مع الوجود كما فى قصة " انكسارات الضوء" حتى تبدو ذاكرة السارد اكثر حضورا وتماهيا مع المسرود والبطل فى هذه القصة
وهذه الذاكرة التى تحمل لنا ملامح هذا الواقع المهزوم لا تقدمه لنا عبر واقعها الفنى والجمالى لتمجده بل لتشير إليه وتنبهنا إلى خطورته ومن هنا تصبح القيمة المضافة لهذه المجموعة هى جرس الإنذار بان القادم اخطر

تجليات الفن

ومن عناصر القصة القصيرة، العنوان. ويمثل العنوان عنصراً هاماً من عناصر تشكيل الدلالة في القصة، وجزءاً من أجزاء استراتيجية أي نص أدبي.ويشكل عنوان المجموعة " أرجل يابسة " علامة دالة تعمل على إدهاش القارئ من أول عتبة في النص وهي عتبة العنوان وما لها من أهمية كونها عتبة مركزية توازي المتن وتحيل عليه.. وقد جاء العنوان في هذه القصة دالا محفزا بتركيبته اللغوية والدلالية..فـ(أرجل يابسة) قد يكون خبر ا لمبتدأ محذوف تقديره هي، أو مبتدأ لخبر سيأتي ضمنيا اقدره (تعانى الهزيمة) نظرا لسيطرة الهزيمة الإنسانية على معظم قصص وكذلك فكلمة " أرجل" جاءت جمع قلة بما يشير إلى الصراع الطبقى فهذه القلة الضامرة لاشك مهزومة من كثرة متوحشة تهمين عليها كفئة ضعيفة فقيرة وتبتر الخارجين عليها من هذه الفئة ومفردة يابسة تعنى الضمور والعجز والفقر مما يجعل المعنى الفنى يختزل المسافة بينه وبين المعنى الاجتماعي الانسانى فى القصة وعليه فإنني أفضل الثانية وهى " تعانى الهزيمة"/الدالة/المتعالقة مع المعنى العام لنصوص المجموعة وهذا يشير إلى ذكاء القاصة فى اختيار العنوان... فالقاصة هنا تعي أهمية صياغة العنوان على الشكل الذي يؤهله لان يكون نصا موازيا...
وتتنوع العناوين، من حيث وظيفتها في هذه المجموعة القصصية، فثمة عناوين تحيل إلى مضمون القصة كما فى قصة " البدروم/ الولى/ حجر شيشة "، أو تُسْتَمَدّ من مغزاها كم فى قصة "العصا والكفن/سمك صغير/" ، وعناوين لها طبيعة إيحائية كما فى قصة "جرس/ الغرفة الجوانية / الجميلة النائمة/ برد الروح"،
وكذلك تختلف العناوين من ناحية البناء اللغوي، فبعضها يأتي كلمة واحدة، وبعضها كلمتين أو ثلاثة أو أكثر.
وانطباعات قارئ هذه المجموعة تدفعه إلى القول بأنَّ هواجس الكاتبة فيها تراوحت مابين نقد للمغلوط في حياتنا، ، ورصدٍ لحالات التأزُّم التي تلبّسها بعض الناس في واقعها الذي ترصده عبر متون هذه القصص ، سواء كانت نفسية، أَمْ اجتماعية أَمْ اقتصادية... وذلك من خلال تقنيات تعتمد على مَزْج الأحلام بالوقائع، وتدمير الأزمنة وخلطها. والاهتمام بعنصر المسرح في القصّة للكشف عمّا يدور في النفوس والأذهان من أحلام ورؤى.
ومن هنا نؤكد على وعى القاصة باختيار العنوان وخطورة هذا العنوان في تلقى النص أو النفور منه ومع ذلك يبقى لنا أن نشير إلى أن القاصة قد وقعت في بعض إشكالات فنية تحتاج من إلى توضيح منها
*النهايات
لا اعرف لماذا تصر القاصة على تقديم كل شئ للمتلقي وهو الشريك الفعلي في إنتاج النص القصصي لذلك تأتى النهايات عندها مفسدة لما يسمى بلذة التلقي فمثلا في قصة" البدروم" تأخذنا القاصة بدهشة في عالم الأحلام الجميلة مع بطل القصة المهزوم حتى يسمع صوت صديقه المكوجى وهو يطل برأسه من الطاقة الأرضية : لسه نايم"
إلى هنا كان يمكن أن تنتهى القصة لنترك للمتلقى مساحة التوقع فيما سوف يحدث بعد هذه الجملة لكن القاصة تفسد هذا التوقع الذى يحقق لدينا لذة معينة بقولها:
"يفرك عينيه بيديه المتسختين ثم لا يلبث أن يلقى بكل جسده المسلوب فى خضم يوم جديد"
ومثل هذه الجملة تصادر على وعى المتلقى وتكسر لديه إنشاءات التأويل المختلفة إذ تضعه فى نسق محدد وتصادر على خياله
وفى قصة " أعلام" تأتى عبارة " رفرفت الفرحة بين جوانب صدره مضى قابضا على فرحته وسط عاصفة من هتاف الثائرين " وكان يمكن للقصة أن تنتهى نهاية مدهشة عند قولها:" التقطوا الأعلام المتبقية معه انهالت عليه الأيدي بالجنيهات لحظة أخرى كانت الأعلام ترفرف أعلى الرؤوس
وفى قصة "حراسة"كان يمكن للقصة أن تنتهى عند جملة "فى الصباح تسرى الأخبار عن زائري الفجر الملثمين بالسواد" لكن القاصة تصر على إفساد المتعة بقولها"الذين لم يكن يظهر منهم غير عيون سوداء تنفث شرا وقد ساموا اصحاب الدور بين ممتلكاتهم والحياة" انه تدخل مزعج من الكاتبة أربكت به ذاكرة السارد الضمنى وأربكت به وعى السرد بهذه الزيادة المضافة فى تعنتفمن المعروف ان الملثمين هم الذين لا يظهر منهم غير عيون سوداء
* الوصف التقريرى
يبدو أن القاصة مولعة بالخطابة والوصف الذى لا يخدم الفن القصصى بل يحيله إلى صورة باهت وملفوظ قولى إخباري لا يحمل لغة الفن أو اللغة الإشارية فالفن الجيد يعتمد على التلميح لا التصريح وهذا الوصف الإخباري الخطابي يبدو فى كثير من قصص المجموعة فمثلا فى قصة " العصا والكفن" تأخذنا القاصة فى مشهد وصفى خطابى يفسد البنية الدرامية وحبكة العمل تماما فهى تقول: " خيم الخوف على عبد السميع وأسرته سار عبد السميع حائرا ضائعا يلعب الخوف فى قلبه وقلب أسرته هجر النوم أجفانهم" ثم تأتى على امتداد صفحة كاملة بوصف حالة الخوف عند عبد السميع ثأر عائلة السيد منه وهذه الصفحة يمكن الاستغناء عنها دون أن يهتز خطاب القصة الفنى
وتأتى قصة "طاووس مرة أخرى" مولعة بهذا الوصف والحكى التقريرى على لسان البطل ذلك الأزهري الذى لم يتزوج تلك المرأة وتزوجت من لواء متقاعد التى احبها وكانها خطبة عصماء فى نزالة أهل الحبيبة دون اللجوء المعنى الاشارى لفن القصة القصيرة وأتصور أنها كتبت بروح أنثى تتشفى فى سلبية الموقف بوحى الغريزة التى رسخت فيها فأفسدت متعة القص فى هذه القصة
وهذه أمثلة على سبيل التقريب لا الحصر للوصف غير الفنى والمفسد لمتعة التلقى

*الحشو
من المعروف ان القصة الفصيرة تتميز فنيا بالتكثيف والإيحاء ووحدة الهدف والزيادت فى اللغة المستخدمة قد تفسد العمل وقد لاحظت أن القاصة تصر على تأكيد الجمل بجمل مغايرة في اللفظ متساوية فى المعنى وهذا يطفئ بريق الفن القصصى فمثلا فى قصة " أرجل يابسة" تقول القاصة : " حينذاك يتدحرج ثلاثتهم الى السوق حيث ترتفع الأصوات وتتشابك كل ينادى على سلعته بينما يتدفق المشترون وراء تلك النداءات ويتدافع الرجال والنسوة تدافعا محموما"
هذه الجمل تشكل حشوا فى فضاء القصة القصيرة وهى تصلح لفضاء الرواية حيث المتسع الزمانى والمكانى الذى يمكن أن يستوعب هذا الوصف لانه حريص عليه لخدمة آليات السرد وتطورات الصراع لمنه لا يصلح لفضاء القصة القصيرة فمن المعروف أن السوق ترتفع فيه الأصوات ويتم فيه التدافع ومفردة السوق هنا تحلينا إلى هذا الخيال فلا داعى لان نقدمه كاملا فى متن القصة القصيرة
وفى قصة "حراسة" تقول القاصة " " يشتد وطيس اللعب يفترش العرق الوجوه والأيدي يلملم القمر ضياءه يخيم الملل على الأرواح يأتي النور يركض بجياده المتعبة فى الصباح تسرى الأخبار عن زائري الفجر" فجملة " يأتي النور بجياده المتعبة تكررت فى جملة فى الصباح تسرى الأخبار مما شكل حملا زائدا فى لغة القصة وأربك نمو الحدث واحدهما تبهت الأخرى وتنفيها فى نفس الوقت
*الكشف المبكر
ونعن بالكشف البكر هو وقوع كاتب القصة فى الكشف عن ماهيتها قبل نهايتها وهنا ينتفى عنصر التشويق فى القصة وتفقد القصة قمتها كعمل فنى تلسمك ألفه إلى يائه فى تشابك جميل ونمو ممتع فمثلا فى قصة عنوسة" فالعنوان هنا يشير إلى نسق محدد وهو امراة فاتها قطار الزواج وتحتم فنية القصة ان يكون المتن كاشفا للعنوان فى نهايته لا فى بدايته لكن الكاتبة تأبى ذلك علينا فتكشف العنوان بعد أربعة سطور فقط من القصة فتبدأ القصة هكذا" أرجوك لا تبكى أمامي هكذا لماذا أراك منكسرة هزيلة وشاحبة على غير ما تعودت أن أراك؟ أعرف ما يضطرب فى أعماقك أعرف شكواك وضعت يدى على كتفها قالت لقد تجازوت الثلاثين ولم .. ولم يحدث شئ هناك أمل الجارات يتغمزن على لقد فاتها القطار"
هنا كشفت القصة العنوان مبكرا ومن ثم تصبح بقية السطور لا قيمة لها بل تشكل عبئا يفسد القصة تماما
وفي قصص كثيرة من هذه المجموعة نلاحظ بأن القاصة وكأنها تحمل كاميرا على كتفها وتتجول بها في الأزقة وداخل البيوت، وتنقل بحرفية ما تلتقطه عدسة كاميراتها من وقائع وأحداث اجتماعية. فالواقع هنا يختلف عن الواقع الفيزيقي لأنه يمزج بين مادية الواقع وإحساس الأديب، لأن المنجز الأدبي يعتبر نتاجا حياً للفكر والإحساس ونتاجا لما يحس به الأديب من صدام بينه وبين الواقع ، ومن هنا ينبغي أن نميز بين الواقع كما هو قائم في العالم الموضوعي ، وبين الواقع كما يرتئيه الأديب.
*اللغة
الحقيقة إن لغة المجموعة لغة جيدة من حيث النبي الصرفية والنحوية كما كان لبنية الأفعال دورا هاما في حركية القصص حيث اشتغلت القاصة على الأفعال الماضية التي تستحضر المتخيل المتراكم في الذاكرة لتوظيفه داخل فضاء القصة، ومن الماضي ينهض ويتحرك في اتجاه المضارع الذي يزيد من وتيرة الحركية المفضية إلى المستقبل الملئ بالمفاجآت و الفاضح لمستجدات الواقع ومتغيراته
وهى لغة جاءت صافية فى بعض القصص ومرتبكة فى البعض الأخر من حيث البنى الفنية لتوظيف اللغة الكاشفة واللغة الفنية والاشارية حيث أفسده فى بعض القصص ذلك الحشو والولوع بالوصف الزائد
وبعد تبقى هذه المجوعة متميزة بوعيها الفنى الجميل وتبشر بكاتبة تتفرد بلونها الخاص مهمومة بواقعها ومجتمعا ولم تكن مهمومة بذاتها ومشكلتاها كأنثى ذات وضع مقهور فى مجتمع له طبيعته الخاصة ونحييها على خروجها على نسق السلطة الذكورية متحدية بذلك وضعها كأنثى مثقفة تحاول الخروج من شرنقة العزلة والعدمية

0 التعليقات

إرسال تعليق