إهداء إلى أبي " الحرف والكلمة " بقلم الأديب الشاعر محمد رشدي عبد الباسط

إهداء إلى أبي " الحرف والكلمة "

 

بقلم الأديب الشاعر : محمد رشدي عبد الباسط

 

 
 

جميلٌ جداً أن تجلسَ معَ والدكَ على سريرهِ الحديديّ القديم وهوَ يفترشُ جريدةً يوميَّةً

 

 ويقودُ إصبعكَ الرقيقَ نحوَ كلماتٍ كبيرةٍ جداً لتتهجًّى حروفهَا الغليظةَ في براءةٍ ثمَّ 

 

يمنحكَ قلماً وورقةً ناصعةَ البياضِ لترسمَ عليها بعضَ ما نطقتَ بهِ من كلماتٍ 

 

ونظراتكَ الثاقبة تتنقلُ بنهمٍ تارةً نحوَ الجريدةِ وأخرى نحوَ الورقةِ البيضاء .

وقتها لمْ تكنْ تستطيع التفرقةَ بينَ خطِّ النسخِ والرقعةِ ولكنكَ تجاهدُ للمحاكاةِ فقطْ 

 

وتسعدُ بتلكَ الكلماتِ المحفزةِ والبسمةِ الرائقةِ التي لا تفارقُ وجهَ أبيكَ مبتهجاً 

 

بانتصاركَ وبعزيمتكَ المستمرةِ نحوَ فعلِ الكتابةِ الجميلِ .

لمْ تكن المعاني المجردة للكلماتِ قد تكوَّنتْ لديكَ وكانَ والدكَ لا يحفلُ كثيراً بمدلول

 

 المفرداتِ بقدر احتفائهِ بخطكَ الطفوليّ الذي يزدادُ تألقاً وبهاءً يوماً بعدَ يومٍ وكلمَا

 

 تعثَّرتَ يأخذُ بيديكَ نحوَ الصوابِ .

في مستهلِّ طريقكَ نحوَ الموهبةِ كنتَ تتلمسُ كلَّ البسماتِ العذبةِ والكلماتِ الطيبةِ

 

 التي تقودكَ نحوَ الإبداع والتفرُّدِ وتحفزكَ على الإنجاز والسطوع .. وكنتَ على

 

 يقينٍ أنَّ منْ يمتلكُ الموهبة لديهِ طاقةٌ هائلةٌ ومناعةٌ قويةٌ وطموحٌ لا ينضبُ .

سرتَ نحوَ الكلمةِ النبيلةِ تكتبُ وتكتبُ لترى أولى قصائدكَ منشورة بإحدى

 

 الصحفِ المحليةِ فيخفقُ قلبكَ طرباً حينما تسمعُ أترابكَ يطلقونَ عليكَ لقبَ الشاعر ..
تأثيرٌ ساحرٌ يأخذكَ نحوَ القمةِ دونَ أن تشعرَ .. والدكَ يسابقُ الزمنَ ليرى فيكَ 

 

ما لمْ يكنْ فيهِ .. أيقنتَ منذ نعومةِ تفكيركَ أنَّ هناكَ شخصاً خُلقَ ليعطيكَ لا ليأخذ

 

 منكَ .. منحكَ الحريَّةَ في مهدكَ لإحساسكَ الكبيرِ والمبكِّرِ بمسئوليةِ كتابةِ 

 

الحرفِ ونطقِ الكلمةِ .

لا زلتَ تتذكرُ لحظاتِ عودةِ أبيكَ منَ العملِ وبعدَ يوم شاقٍ ليمسكَ منْ جديدٍ بسطوركَ

 

 المضيئةِ بينَ ثنايا الصحيفةِ ويفنِّدُ ما كتبتَ بعينين لامعتين تحتَ نظارةِ القراءةِ 

 

الأثريَّةِ ثمَّ يطوي مقالاتكَ وصوركَ ليذهبَ بها عندَ أصدقائهِ البسطاء جداً ليتلوَ عليهم

 

 ما كتبتَ وهمْ يرمقونَ صورتكَ البهيَّةَ أعلى مقالكَ القصير ويدعونَ لكَ بدوام الرقيِّ

 

 بينما يفتخرُ والدكَ بما صنعَ وصنعتَ..