الأربعاء، 27 يونيو 2012

أهلا بك فى بلد المليون توقيع بقلم : د سحر محمود عيسى

 أهلا بك فى بلد المليون توقيع

دكتورة سحر محمود عيسى

يبدو أن هناك الكثير من المعطيات والظواهر التى تشكلت فى

وجدان الإدارات والمؤسسات المصرية حتى أصبحت جذورا 

راسخة لم يغير الزمن والتطور العصرى الذى يعيشه العالم كله 

من ملامحها وقسماتها وإليكم بعض النماذج:
 

- عندما تدخل أى مستشفى حكومى لابد أن تجد مشهدا تاريخيا 

خالدا حيث المئات من المرضى الذين يلتقطون أنفاسا ممزقة من

 معاناة المرض ومن معاناة الحياة ومن معاناة الفقر يلهثون وراء

 الأستاذ فلان الموظف، والدكتور فلان، والسيد المدير، والسيد

 نائب المدير ثم رحلة أخرى لإمضاء ورقة أخرى من إدارة 

كذا،

 ومن قسم كذا ومن مديرية كذا ومن هيئة كذا وآآآآآآآآآآآآآه لو 

وقع 

أى خطأ فى أى ورقة فالرفق بالحيوان فقط عليك أن تبدأ من

 جديد لتواجه المصير المحتوم مع رحلة التوقيع والأختام 

والمصاريف والرسوم.

- هناك بعض الجامعات مثل جامعة الأزهر التى لم تقتنع 

 بالكمبيوتر بعد فما زالت تستخدم الطريقة اليدوية والبدوية

لقضاء جميع المصالح والمهام العادية والحيوية، فبدلا من أن

 تنجز ورقة صغيرة حول تسجيل موضوع رسالة بحث ماجستير

 أو دكتوراه مثلا فأنت مطالب برحلة جهاد شاقة تطوف فيها على

 قدميك فى كل الجامعات المصرية على أرضنا الطيبة 

المحروسة ليقابلك الموظف بابتسامة تنم عن ترحيب نادر ومكر

 ودهاء ووعد ووعيد قائلا فى نفسه أهلا بك لتنتظر قدوم الغد 

القريب! وأبحث بنفسك عما تريد! وإذا قضيت مصلحتك فبلا

 عودة أو رجوع وبعد رحلة الجهاد تعود بعد شهرين تقريبا أو

 أكثر الى جامعتك فرحا مستبشرا نشيطا متهللا ومعك طائفة

 مختارة من أجود أنواع الإمضاءات والتوقيعات من السادة

 العمداء ووالوكلاء ورؤساء الأقسام، ومديرين الجامعات 

ومديرين الدراسات العليا وشئؤن الطلبة وشئون الخرجين

 وشئون.. انتظر الرحلة لم تنته.. بعد!

الآن ستذهب لشراء دمغات وطلبات وبعد أن تتم عملية الشراء 

فى سهولة ويسر أذهب إلى الموظف المختص لتجد أن ثمة أمرا

 ما نسيته، والعيب غالبا منك لا منه، فلماذا لم تسأله قبل أن 

تذهب، ولماذا لم تتأكد قبل أن تذهب، ولماذا لم تتأن وأسرعت

 الخطى ولماذا ولماذا تذهب أصلا!

إن عليك تحمل ضريبة الإهمال والتجاهل والنسيان والتسرع فى

 اتخاذ القرار، واستعد لرحلة أخرى حول مكاتب السادة الموظفين

 وكفاية إرهاق على رأى أحد الموظفين إحنا هنعمل إيه ولا إيه؟

- أيضا إذا فكرت وقررت أن تتقدم لإحدى الوظائف – إذا كان

 فيه وظائف أصلا -فى أكثر من جامعة مثلا فعليك أن تعد العدة

 وتحضر الزاد لتصحب قافلة النور والكفاح من المساء إلى 

الصباح، لأنك ستقدم أوراقك وتسلمها يدا بيد –كما قال الفقهاء 

قديما –الى السيد الموظف وتدفع الرسوم، وما أن تخرج من هذه

 المحافظة حتى تدخل أخرى أيضا لأن اختراع الكمبيوتر لم 

يصل بعد وأن الميل -البريد الإلكترونى - أو الفيس أو الاسكاى 

أو النتلوج أو التويتر كلها بدع!! ودفع الضرر مقدم على جلب 

المصلحة هنا فقط!!

- أما عن أصحاب المعاشات فهم أصحاب الحياة الأخرى حيث

 تحرص حكومتنا المصرية على تذكيرهم الدائم بحياة البرزخ،

 ويوم الحشر وأن عليهم أن يستعدوا ليوم الرحيل عن الدنيا، كما 

رحلوا عن الوظيفة لذلك فالطوابير اخترعت خصيصا لأصحاب 

المعاشات وقوائم الانتظار اخترعت من أجلهم، ودائما أوراقهم

 معطلة أو فيها خطأ أو تحتاج إمضاء آخر من السيد المدير

 ونائب المدير والهيئة والمصلحة والإدارة ودائما المكاتب

 الخاصة بقضاء مصالحهم مزدحمة وفيها كل أنواع الأتربة 

لقياس نسبة التلوث فى رئة صاحب المعاش ودائما أوراق 

أصحاب المعاشات غير كاملة أو غير مستوفاة وهى غالبا لا

 تكتمل أبدا.

ودائما هناك حالة من الشك الدائم فى كل ما يخص أوراق أو 

حقوق أصحاب المعاشات، بل أننا نشك فى صاحب المعاش نفسه

 ونتحقق كثيرا هل هو حى أم لا؟ ودائما هناك قرار عام صدر

 يطبق على الجميع إلا اصحاب المعاش وأى جملة طويلة تجد

 بعدها إلا تعرف أن بعدها أصحاب المعاش، أو باستثناء أصحاب

 المعاشات ولكن علينا أن نحسن الظن بالحكومة فالهدف من

 الطوابير والزحمة وحالة التعب والإرهاق هو التذكرة بأمور

 الآخرة والنوايا لا يعلمها الا الله وحده وسبحان من له الدوام ولله

 فى خلقه شئون!

وأهلا بك لتقضى أنفاسك الأخيرة بين مكاتب الموظفين

 وإمضاءات المديرين لتموت شهيدا فى بلد المليون توقيع..

0 التعليقات

إرسال تعليق